بقلم الدكتور: عادل العبدالمغني
أمامكم إحدى الوثائق الكويتية بما تعرف بـ(العدسانية)، نسبة إلى قضاة الكويت من أسرة العدساني الكريمة، والوثيقة مؤرخة بتاريخ 1 ربيع آخر 1320 هـ، الموافق 7 يونيو 1902م، بخط وختم قاضي الكويت الشيخ محمد بن عبدالله العدساني.
وكان المحسن الكريم محمد بن يوسف المطوع اشترى دكاناً من البائع اليهودي داود بن إبراهيم بثمن وقدره 150 ريالاً، والريال هنا هو (الريال الفرنسي) من العملات المتداولة في الكويت في ذلك الوقت، ويكون إجمالي المبلغ لو حسبناه بالدينار الكويتي 28 ديناراً و125 فلساً… وبعد مضي نحو ثماني سنوات بتاريخ 15 ربيع الآخر 1328 هــ، الموافق 24 أبريل 1910م، أوقف المشتري الدكان ليكون ريعه لصالح مسجد الحاج عبدالعزيز المطوع، وجزاه الله خير الجزاء على هذا العمل الطيب.
وهذا مختصر بما جاء في الوثيقة أعلاه..!
لكن لفت نظري أن البائع يهودي؛ فمن المعلوم أنه في ماضي الكويت استوطنت جالية يهودية وصل عدد أفرادها وفق التقديرات 200 شخص، وترجع أصولهم إلى العراق، واتخذوا لهم مساكن وبيوتا في منطقة الشرق بالقرب من (فريج الشيوخ) في مدينة الكويت القديمة، وزاول اليهود المقيمون في ماضي الكويت حرفة التجارة، وأصبحت لديهم أموال طائلة لعملهم في تجارة الأقمشة التي كانوا يستوردونها من الهند وبريطانيا، وكان يطلق أهالي الكويت تسميات شعبية على مسميات هذه الأنواع من الأقمشة، مثل (الچيت)، (شاش)، (رش المطر)، (بافته)، (خشم البلبول)، (أزقرنات)، (إبريسم)، (لاس)، (نيسو)، (أمريكن) وغيرها…!!
ولقد عوّد تجار اليهود أبناءهم منذ طفولتهم على العمل بالتجارة؛ فكان آباؤهم يملكون محلات تجارية في (قيصرية) الحاج خليل القطان، وقسم آخر من تجار اليهود يعملون بتجارة وتصنيع وبيع الذهب، ولديهم محلات في (سوق الصاغة) القديم…!
ومن أشهر العائلات اليهودية في ماضي الكويت (عائلة ساسون)، (عائلة عزرا)، (عائلة يعقوب)، (عائلة صموئي)، (عائلة حصغير)، (عائلة الربّين)، (عائلة الياهو)، (جماعة صالح)… ومن بين هذه العلائلات ظهرت عائلة يهودية فنية هي عائلة (عزرا يعقوب الرّبين)، ومن أبناء عزرا الفنانان داود وصالح الكويتي، وأصبح لهما شهرة فنية كبيرة…!!
ولدى يهود الكويت في الماضي معبد صغير بالقرب من بيوتهم لتأدية طقوسهم الدينية ومقبرة صغيرة اندثرت، وتحديداً أصبحت تحت عمارة الأسماك في شارع الهلالي..!!
وكانوا في الماضي يلبسون الزي الكويتي مثل الكويتيين لعدم إثارة أي شبهات حولهم، ولكن كانوا يعرفون من أشكالهم، وكانوا أيضا يعتنون بصحتهم في الأمور التي تتعلق بالتغذية لامتلاكهم المال الوفير!!
ورغم ثرائهم وامتلاكهم المال في ماضي الكويت، إلا أنهم لم يقوموا بأي أعمال تطوعية لصالح المجتمع والكويت عموماً، ولم يقدموا خدمات خيرية وتبرعات؛ بل هدفهم تجميع وتكديس المال.
أما رحيلهم عن الكويت؛ فبدأ بعد أن أطلق بلفور وعده لتكوين وطن لليهود في فلسطين عام 1917، وبدأت هجرتهم من الكويت تدريجيا وليس دفعة واحدة، بعد أن باعوا بيوتهم ودكاكينهم وصفوا جميع أعمالهم تماماً، ورحلوا عن الكويت..!!
وللحديث بقية في الجزء الثاني من المجتمع اليهودي في ماضي الكويت..!!