أحمد بن سعيد الأزكي – كاتب درامي ومسرحي
سلطنة عُمان
تصنَّف البرامج الإذاعية والتلفزيونية حسب مادتها ومضامينها وموضوعاتها والأهداف المرجوة منها، بغضِّ النظر عن الفئة التي تستهدفها من المتلقين، فأضحتْ تلك البرامج تتقلَّب في مادتها العلمية بين الدين واللغة والفنِّ والتاريخ السياسة وغيرها، فنشأ ما يعرف مع مرور الوقت بالبرامج العلمية والبرامج الدينية واللغوية والفنية والتاريخية والإخبارية والرياضية والأدبية وبرامج الأطفال وبرامج الأسرة، وكذلك البرامج الدرامية بالإضافة إلى البرامج ذات الصبغة الحديثة والتي تتماشى مع روح العصر مثل البرامج الشبابية المتنوعة والبرامج الحاسوبية، وبرامج التقنية الأخرى.
لعلَّ من المُلفت للنظر في العرض السابق عند ذكر أنواع البرامج التي تقدِّمها المحطات الإذاعية والتلفزيونية لم نأتِ على ذكر البرامج الثقافية، فأين هو موقعها في خارطة البرامج الإذاعية، وهنا مربط الفرس في هذا المقال.
أخذتْ بعض العواصم العربية تنظِّم مهرجانات خاصة للإذاعة والتلفزيون، مثل مهرجان القاهرة، ومهرجان تونس ومهرجان الخليج العربي والذي يقام في مملكة البحرين، حيث تخصَّص للمنافسة بعض أنواع تلك البرامج السالف ذكرها وغيرها، فيتمُّ التنافس فيها على حصد الذهب والفضة والبرونز والشهادات التقديرية في المجالات المعتمدة في هذا المهرجان أو ذاك، فلا يكون التنافس في كافة أشكال البرامج وأنواعها، فعلى سبيل المثال ستكون المنافسة في عام من الأعوام على دراما الطفل، والبرامج العلمية، والبرامج التراثية والبرامج الإخبارية، وفي المهرجان الآخر ستكون المنافسة من خلال أنواعٍ أخرى من البرامج مثل البرامج الرياضية، والبرامج السياحية، والبرامج اللغوية والمسلسلات الاجتماعية، وهكذا…….
إنَّ كلَّ صنف من أصناف تلك البرامج السالفة الذكر وغيرها لها توصيف واضح ودقيق، فمن السهولة بمكان تحديد المادة العلمية لكلِّ صنفٍ من البرامج، والسؤال الذي يطرح نفسه فيما إذا قُرِّر تخصيص مهرجان ما للبرامج الثقافية دون غيرِها مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إشراك البرامج التخصصية الأخرى كالبرامج الدينية والعلمية والتاريخية والفكرية والدرامية ضمن البرامج الثقافية، لأنَّ تلك الأنواع وما يشابهها إنما هي برامج لها مسابقاتها الأخرى المستقلة والتي تكون محددةً سلفًا، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال القديم الجديد، ما المقصود بالبرامج الثقافية، وإلام يشير هذا المصطلح في نوعية البرامج؟
والسؤال بشكل أوضح: ما هو تعريف البرنامج الثقافي ومن أيِّ شيءٍ تتكوَّن مادته؟
لقد دأبتْ الكثير من الإذاعات العربية على اطلاق مسمَّى البرامج الثقافية على بعض أقسامها الإدارية الرئيسة، وقدْ تكون تسمية قسم إداري ما بهذا المسمَّى أمرًا صحيًّا وصحيحًا ولا غرابة في ذلك، ولكن ما هي البرامج الثقافية التي تنضوي تحت هذا المسمَّى، إذا ما عرفنا أنَّ هنالك ما يمكن تسميته أيضًا بشكلٍ إداريٍ صِرف قسم البرامج الدينية وهو يُعنى بكافة البرامج الدينية كبرامج تفسير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، والفقه والعقيدة والفتاوى وغير ذلك من الموضوعات الدينية، وقسم البرامج الرياضية وهو القسم الذي يعنى بنقل وتحليل المباريات بأنواعها، وبكل ما يتصل بالرياضة، كما أنَّ هناك قسم برامج المنوعات وهي البرامج الموسيقية والغنائية ذات الإيقاع السريع السلس، وقسم البرامج السياسية والإخبارية وغيرها من الأقسام المعتادة.
والسؤال مجددًا عن ماهية البرامج التي تخضع تحت مسؤولية قسم البرامج الثقافية، طالما هنالك تخصيص لكافة البرامج أو معظمها على أقلِّ تقدير.!
لا يهمني في هذا المقال التقسيمات الإدارية لدوائر وأقسام الإذاعات بقدر ما يهمني الوقوف على حقيقة نوعية البرامج الثقافية ومادتها، وكان السؤال عنها قبلًا هو التعريف بالبرنامج الثقافي، وما يشير إليه هذا المسمَّى؟
قدْ يقول قائل إنَّ البرامج الثقافية هي تلك البرامج التي تُعنى بالشعر والأدب والندوات الثقافية والعلمية وما شابهها، وهذا القول مردود عليه، إذْ إنَّ الشعر بأنواعه وأقسامه والقصة بتفريعاتها والرواية بموضوعاتها وغير ذلك مما يماثلها تخرج كلُّها من عباءة الأدب، فهي برامج أدبية، وأما الندوات الثقافية فهي إمَّا أنْ تكون أدبيةً أو علمية أو دينيةً أو تاريخية أو سياسية أو رياضية أو تراثية أو سلوكية، وقِسْ على ذلك الكثير، فكلَّ ندوة تندرج تحت تصنيفاتها الرئيسة حسب موضوعاتها فتصبُّ كلُّها مصبَّ الثقافة..
ونذكِّر بالسؤال مجدَّدًا، ما المقصود بالبرامج الثقافية، وما هو تعريفها ومن أيِّ شيءٍ تكون مادتها؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدَّ لنا من الوقوف ولو للمحة بسيطة عند تعريف الثقافة ذاتها، فما هو مفهومها وما المراد منها؟
لقد تعدَّدت الآراء والأفكار في تعريف الثقافة، لشمولية هذه المفردة على معاني الحياة المتعددة، علومها وسلوكها، فقد ” استخدم العرب مصطلح الثقافة قديمًا بمعنى الحذق والمهارة وجودة الفهم والفطنة والإدراك([1])” فهل توقَّف مفهوم الثقافة حيثما ذهب إليه العرب قديمًا؟ لا، فهي لم تتوقف عند ذلك الحد، فالثقافة “يمكن أنْ تكون نموذجًا للكيفية التي نعيش بها، أو شكلًا من هيكلة الذات أو تحقيق الذات، أو ثمرة زمرة من أشكال الحياة المعيشة لجماعة كبرى من الناس، وقد تكون الثقافة نقدًا للحاضر أو صورة للمستقبل([2])” وهذا يعني أنها – أيْ الثقافة – تعدَّتْ مفهوم المعرفة إلى السلوك الإنساني وأنماط الحياة.
وتتعدى تعريفات الثقافة إلى أبعد مما ذُكر بكثير، فلا نريد الإسهاب في تقديم تلك التعريفات، ولكنْ يمكن إجمال الثقافة بأنها ” مجموعٌ مركَّب من أمور معنوية ومادية، مصبوغة بصبغة معينة، توجِّه السلوك البشري في مجتمع ما، فالمعنويات مثل: الفكر والتشريعات والأنظمة والأدب والفن واللغة، والماديات مثل: أنماط العيش وطرائقه من زواج ومأكل وملبس وترفيه وعادات وتقاليد([3])”، فكُل تلك المعاني تصب في الحوض العميق للثقافة.
وقدْ تنشئ بعض البلاد مؤسسات ثقافية متكاملة مثل الهيئات والأندية الثقافية، فليس مستغربًا البتة أنْ تقوم تلك المؤسسات الثقافية بممارسة أنشطةٍ أدبية وفنية وعلمية داخل صروحها، حيث تتعدَّد مشاربها لأنها واقعة تحت مظلة النادي الثقافي أو تلك المؤسسات الثقافية الأخرى، لأنَّ تلك الصروح يمكنها استقطاب أية مادة علمية بشكل ندوات ومحاضرات، فلا تقتصر على القصة والشعر والفنون وحدها، بل تتعدى كلَّ ذلك، فالنادي الثقافي وما يشابهه المؤسسة الرسمية لاحتواء ذلك النشاط الثقافي مهما كان نوعه أدبيًا أو فنيًا أو فكريًا.
وفيما إذا نظرنا إلى القنوات الفضائية الثقافية وما تقدمه من برامج، فبرامجها في العادة تكون متنوعة وهي مزيج من الفنون والآداب والتاريخ والجيولوجيا وغيرها، كما أنها تقدِّم بين برامجها موضوعات السلوك والعادات والتقاليد، فهي تقدِّم معرفة شاملة كاملة ولا تقتصر على فكرٍ أحادي الجانب، بل إنَّ معارفها متشظية ومنشطرة على المعرفة، فالثقافة ليستْ علمًا واحدًا، إنما تجتمع فيها مجموعة من العلوم والفنون والآداب والسلوكيات الإنسانية وغيرها.
إذنْ فالثقافة هي طمس مساحةٍ من الجهل عند المتلقي، وإحلالها بشيء من المعرفة في شتَّى العلوم والسلوك الإنساني، بحيث تتبدَّد تلك المساحة المظلمة معرفيًا بنور علمي مبين دون تخصيص تلك المعرفة، كما أنها – أي الثقافة – تستطيع تعميق شيء من المعرفة التي يتمتع بها بعض الأفراد أحيانًا.
وعودًا على بدء ففي مسابقات ومهرجانات الإذاعة والتلفزيون تخصَّص أحيانًا مسابقة للبرامج الثقافية سواء أكانتْ إذاعية أو تلفزيونية، وتكون المنافسة على أشدها من أجل الفوز بالجائزة الكبرى في هذا الصنف من البرامج، ولكنْ عندما يأتي توصيف هذه النوعية من البرامج – البرامج الثقافية- فأكثر ما يمكن الإشارة إليه أنَّ المقصود بالبرامج الثقافية هي تلك البرامج الأدبية ولاسيما البرامج الشعرية والندوات والمحاضرات، فيتمُّ تأطير الثقافة على الرغم من عظمتها في هذه النوعية من البرامج وحسب، فأيُّ إجحاف للثقافة إذْ تمَّ تأطيرها في نطاق هذا المفهوم الضيِّق. وخلاصة القول إنه لا يوجد مفهوم محدد لما يمكن تسميته بالبرنامج الثقافي تسميةً صريحة، إذْ إنَّ كلَّ المعارف إنما هي في الأصل علومٌ وثقافة، فالدراما ثقافة، والرياضة ثقافة، واللغة ثقافة، والسلوك ثقافة، وجميع البرامج العلمية والدينية والفكرية وبرامج الأسرة وغيرها إنما هي برامج ثقافية.
([1]) الموقع الإلكتروني أفكار الكتب من أخضر، a5dr.com/bookidea.www
([2]) إيغلتن، تيري، الثقافة: ترجمة وتقديم لطفية الدليمي، مكتبة سر مَن قرأ 693، الناشر دار المدى، ط1، 2018، ص23.
([3]) الموقع الإلكتروني أفكار الكتب من أخضر، a5dr.com/bookidea.www