بقلم د.عزيز جبر الساعدي
العراق
المسرح ونفسية الطفل العراقي (علينا ان نقدم مسرحا جيدا للكبار هذا حسن ولكن علينا ان نقدم مسرحا افضل للاطفال)هكذا يريد (غوركي ) ان يقول، وهذا ما عملت عليه المسارح لدى الدول المتقدمة منذ عشرات السنين حتى صارت التجربة في (الاتحاد السوفيتي)سابقا مثالا يحتذى به في تجنيد كل الطاقات والمواهب التربوية والنفسية لدى المختصين في عالم الطفولة ،ذلك لان تربية النشئ جماليا وفكريا من الاسس التي تبني مجتمعاً متقدما يعي اهمية بناء المجتمع والاحساس بالوطنية وغرس كل ما من شأنه ان ينمي مفاهيم وافكار بالحريه والسلام والمحبة بين افراد المجتمع،وبالفعل تحققت قاعده عريضه من ذوي المواهب الخلاقة التي اسهمت وبشكل فعال في تحقيق الاهداف الكبيرة في التطور والتقدم الحضاري.وعلى الرغم من البدايات المتعثرة في العراق في ضرورة التوجه الى الطفل منذ بداية السبعينات الا انه برع الكثير من الفنانين المخلصين لرسالة المسرح وحاولوا الاسهام بشكل واخر في دفع حركة مسرح الطفل للامام ، وللاسف الشديد لم يكن هنالك برنامج وتخطيط لما يقدم ذلك لغياب فريق عمل متخصص في هذا الاتجاةوابتعاد الغالبية عن الفهم الدقيق لسايكولوجية الطفل، ناهيك عدم اهتمام الدولة الجدي بابعاد واهداف رسالة مسرح الطفل بارسال متخصيص لدراسة مسرح الطفل وتقديم الجوائز والمكافأت المالية والدعم لكتاب المسرح وتخصيص قاعات خاصة بمسرح الطفل تتوفر فيها اجواء تعين الطفل على الالتصاق بما يقدم له خصيصاَ وكذلك عدم ايجاد فرص للعاملين باخذ محاضرات في التربية وعلم النفس ،بل نجد ان معظم ما قدم من مسرحيات ليومنا هذا يجمع بين المراحل العمرية المختلفة وهذا مايعطي انعكاسا سلبيا للمتلقي لان اختلاف المراحل العمرية يؤثر في الاستجابة الحسية والفكرية لكل مرحله من مراحل الطفولة كما يؤكد ذلك علماء النفس.والطفل العراقي المحروم من ابسط قواعد حقوقه وجد نفسه منذ الصباح الباكر يسمع ازيز الرصاص (في رفعة العلم) الصباحي في المدارس ،وارتداء المعلمين الملابس العسكرية، يعود الى منزلة ليشاهد التلفزيون فيجد صور من المعركة وهكذا خلقنا له اجواء عسكرية مقيتة، ناهيك عن اللعب الموجودة في الاسواق التي تفرز من هذا التوجه، فبات لايعرف سوى لغة العنف والقتل والتحدي، فغياب التوجه العلمي لمعرفة افرازات اهم شريحة بالمجتمع كان سببا عمليا لما يحدث الان، من تشرد شريحة كبيرة من الاطفال في الشوارع والاعمال المتدنية التي يعملون بها، اضافة الى الكبت الذي تولد لديهم من خلال الشحنات التي كان يتلقاها دون علمه ودون علم مخططي الاعلام الامر الذي جعل متنفسا في غياب الامن واضطراب الاوضاع الاقتصادية ليعبروا بطريقة واخرى الى نوع من انواع الجريمة واحيانا القتل والخروج عن الاعراف والتقاليد في المجتمع، في ظل هكذا ظروف يحاول المعنيين بشؤون الطفل، سواء جمعيات حقوق الانسان او وزارة الثقافة ان يعبروا عن الظلم الذي لحق بالطفولة العراقية ولكن هذه المرة بطريقة ارتجالية بعيدة ايضا عن وضع الاسس والمعايير التي تقوي وتنتشل الطفل العراقي من هذا المأزق.والسؤال الكبير الذي نطرحه ؟ ماذا نقدم للاطفال في هذه المرحلة ؟ كيف نكتب لهم، كيف نقدم لهم عروضا مسرحية تشبع غرائزهم وتنمي احساسهم وتغذي عقولهم تربويا ونفسيا وجماليا ؟ كل هذه المعاناة تحتاج الى ارضية للمناقشة لاستيعاب ماذا يجب ان نفعله كي لا يذهب عملنا هباء مثلما كان سابقا.. اليوم ومن حسن حظ الجميع ,,وجود العشرات من الدراسات النفسية والبحوث والكتب العربية والعالمية وحتى العراقية التي تناولت جوانب كثيرة من حياة الطفل وعلى المسرحيين يقع العبء الاكبر كون المسرح اهم وسيطة نقل معرفية وترفيهية تداعب الخيال وتحرك الاحساس والوجدان وتنمي مدارك المتلقي لاسيما اذا كانت العروض موجهة للطفل تمتلك المقومات الصحيحة في دراسة كل فئة عمرية واحتياجاتها وطريقة الخطاب التعليمي المسرحي الموجهة لها وكيفية استغلال خشبة المسرح تقنيا، ودراسة العرض نقديا وطريقة تقديم العرض اخراجا وتمثيلا ودراسة النص المقدم الى لجنة فحص النصوص مع مراعات من يقدم العرض (مخرجا، ممثلا) وهل له دراية بسلوك الطفل وحالته النفسية، لكي يحقق لنا عرضا فيه قيمة جمالية وفكرية يستقبلها الطفل الذي يعيش عصر التكنولوجية والتطور العلمي، وحتى لاننسى ان ذكاء الطفل الان من المستحيل تمرير معلومة ساذجة علية. هذا يعني ايضا ان يكون لدى المعنيين نظرة جديدة في التعامل مع الطفل الجديد بعقل مفتوح وذهنيه ترتقي الى تعميق الشعور باهمية هذا الصغير الذي سيصبح رجل المستقبل.ورغم ان هناك تجارب هنا وهناك الا انها للاسف لن ترتقي الى مانطمح اليه