بقلم ؛ يوسف الحمدان
مملكة البحرين
إن كتابة المسرح (الكتابة فيه.. الكتابة عنه.. الإحاطة به)، تستدعي جهدا ذهنيا تقنيا إبداعيا يختلف عما لو كانت عليه هذه الكتابة في المنتج الأدبي، فإذا كانت الكتابة في الآخر الأدبي تتجلى في كل معطيات اللغة بألسنيتها ودلالاتها وتداعياتها وظلالاتها وتشظياتها وتفجرها وتناصاتها، فإن كتابة المسرح تستحضر هذه المعطيات لتندغم وتتلاشى في جسد الفعل، في تفعيل خواص اللغة، في تجسيد منطوقاتها، في تحريك أو حركنة ثوابتها البؤرية.
إن النظر إلى النص المسرحي باعتباره أدبا، سيقودنا حتما إلى أحكام قاصرة ملتبسة، ذلك أن النص المسرحي ليس نصا معدا للقراءة فقط، وإنما هو مشروع كتابة لأفعال وتجسدات أخرى.
إذن هل ينبغي علينا أن نطلب من قارئ هذا النص بأن يطالع هذا المشروع في كتابته الأخيرة؟.
إن النص المسرحي يظل كتابة مرجئة ما لم يتجسد، يظل مسودة لإنجاز تجسيدي مقترح، إذ أن من يكتب المسرح ـ أتصوره ـ يحفز الجسد، الفعل، على تخطي حدود خطوطه الأولى، على ملاحقة كائن ما ـ وإن كان وهميا ـ يستثير حيز الحياة على استدعاء طاقة تستنطق الحرف الميت في المشروع.
إن هذا الكاتب يريد أن يرى الأشكال والألوان والأحداث والأجساد حية مجسدة أمامه، لا أن يخالها فحسب أو يتصورها، يريد أن يشحذ خياله لحظة التجسيد الأولي لتفجير كوامن جسد آخر يتملك قابلية الحركة والحياة في المسرح.
إن كتابة النص المسرحي هي كتابة الممارسة ذاتها، كتابة عناصر الخلق بكل تجلياتها الكائنية الحية، يستحضر فيها الكاتب البواعث الحركية الأولية لدى المخرج، الممثل، المشاهد، بيئة التجسيد، إنه يلغي كتابته أو يخضعها لتأويلات أخرى حين تخضع لاختبار تجسيدي، ومن هنا تبدأ كتابته الفعلية الأولى لجسد العرض المسرحي، وبلاغتها تتجلى في انقلابها الطردي على ذاتها.
ولأنها كتابة الممارسة نجد بعض الكتاب المخرجين يكتبون مشروعهم مباشرة على جسد العرض المسرحي، ولا أعني بذلك الكتابة المطوّعة للمسرح، كاختبار نص روائي أو قصصي أو شعري أو ما شابه ذلك، فهذه بحاجة إلى كتابة مضاعفة الجهد، تبدأ من تحويلها إلى مشروع نص مسرحي وانتهاء بها إلى حالة إخضاعها لاختبار تجسيدي لعرض مسرحي.
إنني أعني كتابة النص المسرحي حتى وإن لم يتوفر على مساحة لحوار بين شخوصه على المستوى اللفظي، خصوصا وإن الكلمة عندما تسيطر بحضورها الأدبي في النص، تسهم في تهميش الفعل (الجسد) في المسرح.
إنها الكتابة المعملية المضادة للكتابة المسرحية الإحكامية والاستسهالية، فالكتابة الإحكامية تتجلى بوضوح في المسرح الذهني، التجريدي، تلك الكتابة المرشحة للاطلاع في أغلب الأحوال، كما أننا نلحظ ذلك في الكتابة المحكمة الصنع التي تراعي الاكتمال والإتقان إلى حد الانغلاق على نفسها، والتي تفترض نزول المخرج عند رغبتها، لا فتح الأفق أمامه لمحاورتها والإضافة إليها وخلق رؤية له فيها.
ونلحظ ذلك أيضا في الأحكام الدقيقة جدا لكتابة المتواليات المشهدية، الأمر الذي ينقاد فيه المخرج إلى التعامل مع نص كهذا باعتباره سيناريو تلفزيوني وليس مسرحا، على خلاف رؤية المخرج للنص وتحويله وفق رؤيته إلى عرض متلفز، ونلحظ ذلك الإحكام في الالتزام شبه المطلق في كتابة النمط المسرحي.
إنها بلا شك كتابة النتائج، كتابة المؤلف للعرض، كتابة التنفيذ الآلي للنص، أما الكتابة الاستسهالية للنص المسرحي، فهي تلك التي تمنحك نفسها بسهولة دون العناء في البحث عن كوامنها أو ما وراء سطورها.
هذه الكتابة عالمها محدود جدا، كتابة غير مغامرة، تعتمد سطح المشروع، إنها لا تحرض أية رؤية إخراجية على الإيغال فيها، ولا تفتح أي ثقب في منجزها النصي كما تذهب إلى ذلك المخرجة الفرنسية أريان نوشكين، من هنا نلحظ غياب الممارسة في المسرح.
إن في كتابة النص الذي نطمح إلى تجسيده، ثقوبا ومنافذ عديدة، لا تدعوك للتباهي باكتشاف نواقصها، باعتبار أن النص ـ على حد الزعم ـ لحمة كتلية مكتملة، ولكنها تدعوك لاكتشاف اقتراحات تفترض كتابة تجسيدية أكثر اتصالا وتعالقا مع فعل المسرح، أكثر إيغالا في القراءة الأولى للكتابة الأخيرة لهذا النص.
إذن هل نعتقد بأن كتابة النص المسرحي هي مشروع للإضافة والكتابة منه وعليه؟.
بقلم ؛ يوسف الحمدان
مملكة البحرين
إن كتابة المسرح (الكتابة فيه.. الكتابة عنه.. الإحاطة به)، تستدعي جهدا ذهنيا تقنيا إبداعيا يختلف عما لو كانت عليه هذه الكتابة في المنتج الأدبي، فإذا كانت الكتابة في الآخر الأدبي تتجلى في كل معطيات اللغة بألسنيتها ودلالاتها وتداعياتها وظلالاتها وتشظياتها وتفجرها وتناصاتها، فإن كتابة المسرح تستحضر هذه المعطيات لتندغم وتتلاشى في جسد الفعل، في تفعيل خواص اللغة، في تجسيد منطوقاتها، في تحريك أو حركنة ثوابتها البؤرية.
إن النظر إلى النص المسرحي باعتباره أدبا، سيقودنا حتما إلى أحكام قاصرة ملتبسة، ذلك أن النص المسرحي ليس نصا معدا للقراءة فقط، وإنما هو مشروع كتابة لأفعال وتجسدات أخرى.
إذن هل ينبغي علينا أن نطلب من قارئ هذا النص بأن يطالع هذا المشروع في كتابته الأخيرة؟.
إن النص المسرحي يظل كتابة مرجئة ما لم يتجسد، يظل مسودة لإنجاز تجسيدي مقترح، إذ أن من يكتب المسرح ـ أتصوره ـ يحفز الجسد، الفعل، على تخطي حدود خطوطه الأولى، على ملاحقة كائن ما ـ وإن كان وهميا ـ يستثير حيز الحياة على استدعاء طاقة تستنطق الحرف الميت في المشروع.
إن هذا الكاتب يريد أن يرى الأشكال والألوان والأحداث والأجساد حية مجسدة أمامه، لا أن يخالها فحسب أو يتصورها، يريد أن يشحذ خياله لحظة التجسيد الأولي لتفجير كوامن جسد آخر يتملك قابلية الحركة والحياة في المسرح.
إن كتابة النص المسرحي هي كتابة الممارسة ذاتها، كتابة عناصر الخلق بكل تجلياتها الكائنية الحية، يستحضر فيها الكاتب البواعث الحركية الأولية لدى المخرج، الممثل، المشاهد، بيئة التجسيد، إنه يلغي كتابته أو يخضعها لتأويلات أخرى حين تخضع لاختبار تجسيدي، ومن هنا تبدأ كتابته الفعلية الأولى لجسد العرض المسرحي، وبلاغتها تتجلى في انقلابها الطردي على ذاتها.
ولأنها كتابة الممارسة نجد بعض الكتاب المخرجين يكتبون مشروعهم مباشرة على جسد العرض المسرحي، ولا أعني بذلك الكتابة المطوّعة للمسرح، كاختبار نص روائي أو قصصي أو شعري أو ما شابه ذلك، فهذه بحاجة إلى كتابة مضاعفة الجهد، تبدأ من تحويلها إلى مشروع نص مسرحي وانتهاء بها إلى حالة إخضاعها لاختبار تجسيدي لعرض مسرحي.
إنني أعني كتابة النص المسرحي حتى وإن لم يتوفر على مساحة لحوار بين شخوصه على المستوى اللفظي، خصوصا وإن الكلمة عندما تسيطر بحضورها الأدبي في النص، تسهم في تهميش الفعل (الجسد) في المسرح.
إنها الكتابة المعملية المضادة للكتابة المسرحية الإحكامية والاستسهالية، فالكتابة الإحكامية تتجلى بوضوح في المسرح الذهني، التجريدي، تلك الكتابة المرشحة للاطلاع في أغلب الأحوال، كما أننا نلحظ ذلك في الكتابة المحكمة الصنع التي تراعي الاكتمال والإتقان إلى حد الانغلاق على نفسها، والتي تفترض نزول المخرج عند رغبتها، لا فتح الأفق أمامه لمحاورتها والإضافة إليها وخلق رؤية له فيها.
ونلحظ ذلك أيضا في الأحكام الدقيقة جدا لكتابة المتواليات المشهدية، الأمر الذي ينقاد فيه المخرج إلى التعامل مع نص كهذا باعتباره سيناريو تلفزيوني وليس مسرحا، على خلاف رؤية المخرج للنص وتحويله وفق رؤيته إلى عرض متلفز، ونلحظ ذلك الإحكام في الالتزام شبه المطلق في كتابة النمط المسرحي.
إنها بلا شك كتابة النتائج، كتابة المؤلف للعرض، كتابة التنفيذ الآلي للنص، أما الكتابة الاستسهالية للنص المسرحي، فهي تلك التي تمنحك نفسها بسهولة دون العناء في البحث عن كوامنها أو ما وراء سطورها.
هذه الكتابة عالمها محدود جدا، كتابة غير مغامرة، تعتمد سطح المشروع، إنها لا تحرض أية رؤية إخراجية على الإيغال فيها، ولا تفتح أي ثقب في منجزها النصي كما تذهب إلى ذلك المخرجة الفرنسية أريان نوشكين، من هنا نلحظ غياب الممارسة في المسرح.
إن في كتابة النص الذي نطمح إلى تجسيده، ثقوبا ومنافذ عديدة، لا تدعوك للتباهي باكتشاف نواقصها، باعتبار أن النص ـ على حد الزعم ـ لحمة كتلية مكتملة، ولكنها تدعوك لاكتشاف اقتراحات تفترض كتابة تجسيدية أكثر اتصالا وتعالقا مع فعل المسرح، أكثر إيغالا في القراءة الأولى للكتابة الأخيرة لهذا النص.
إذن هل نعتقد بأن كتابة النص المسرحي هي مشروع للإضافة والكتابة منه وعليه؟.